زيادة كهرباء المخ وعلاجها

زيادة كهرباء المخ وكيفية علاجها

تُعد زيادة كهرباء المخ، أو ما يُعرف علمياً بفرط النشاط الكهربائي في الدماغ، من الحالات العصبية التي تثير اهتماماً واسعاً في الأوساط الطبية والعلمية، نظراً لارتباطها المباشر باضطرابات عصبية مثل الصرع وبعض المشكلات النفسية والسلوكية. وتعني هذه الحالة وجود خلل في التوازن الكهربائي الطبيعي للدماغ، مما يؤدي إلى حدوث أنشطة عصبية غير منتظمة تظهر في شكل نوبات أو تغيرات في السلوك أو القدرة المعرفية.

مفهوم النشاط الكهربائي في الدماغ

ينتج النشاط الكهربائي للدماغ من التفاعل بين الخلايا العصبية (العصبونات) التي تتواصل فيما بينها من خلال إشارات كهربائية وكيميائية. ويُعد هذا النشاط ضرورياً لجميع العمليات العقلية والحركية والحسية. ويتم قياس هذا النشاط عادة من خلال جهاز التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG)، الذي يوضح الترددات الكهربائية في مناطق مختلفة من الدماغ.

عندما يحدث خلل في هذه الترددات، سواء بزيادة شدتها أو تغير نمطها، يظهر ما يُعرف بفرط النشاط الكهربائي، ويكون هذا غالباً مصحوباً بأعراض سريرية تستدعي التشخيص والعلاج.

أسباب زيادة كهرباء المخ

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى زيادة النشاط الكهربائي في الدماغ، ويمكن تصنيفها إلى عوامل عضوية وأخرى مكتسبة:

1. العوامل الوراثية

تلعب العوامل الوراثية دوراً محورياً في بعض حالات زيادة كهرباء المخ، حيث وُجد أن بعض أنواع الصرع مرتبطة بطفرة جينية تؤثر في قنوات الأيونات التي تنظم التوصيل العصبي.

2. إصابات الدماغ

مثل الرضوض القحفية، النزيف الدماغي، الجلطات، والأورام، والتي قد تُحدث خللاً في التوصيل الكهربائي الطبيعي للخلايا العصبية.

3. العدوى

بعض الالتهابات التي تصيب الجهاز العصبي المركزي، مثل التهاب السحايا أو التهاب الدماغ الفيروسي، قد تؤدي إلى تلف في الخلايا العصبية ينتج عنه فرط النشاط الكهربائي.

4. تشوهات خلقية في الدماغ

بعض التشوهات الدماغية التي تحدث أثناء النمو الجنيني، مثل التحام غير طبيعي في القشرة الدماغية، قد تكون مرتبطة بزيادة كهرباء الدماغ.

5. اضطرابات التمثيل الغذائي

كحالات نقص الأوكسجين عند الولادة، أو اضطرابات التوازن الأيوني (مثل نقص الكالسيوم أو الصوديوم أو المغنيسيوم)، والتي تؤثر على فعالية عمل الخلايا العصبية.

6. استخدام بعض الأدوية أو التسمم

بعض الأدوية أو المواد الكيميائية قد تؤثر سلباً على التوازن الكهربائي للدماغ، وكذلك بعض حالات التسمم بالرصاص أو الكحول.

الأعراض المصاحبة لزيادة كهرباء المخ

تتفاوت الأعراض بحسب شدة الحالة والمنطقة الدماغية المتأثرة، ويمكن أن تشمل:

• نوبات تشنجات (صرع) كاملة أو جزئية.

• فقدان الوعي أو فقدان مؤقت للانتباه (Absence seizures).

• اضطرابات في الذاكرة والتركيز.

• تغيرات مزاجية مفاجئة أو سلوكيات غير معتادة.

• اضطرابات في النوم.

• حركات لاإرادية أو تكرارية.

• مشاكل في النطق أو اللغة.

• نوبات من القلق أو الارتباك.

أنواع زيادة كهرباء المخ

يتم تصنيف الحالات بحسب نمط النوبات والمنطقة المصابة:

1. الصرع المعمم (Generalized Epilepsy)

يشمل جميع أجزاء الدماغ ويؤدي إلى فقدان الوعي الكامل ونوبات ارتجاف في الجسم كله.

2. الصرع الجزئي (Partial or Focal Epilepsy)

يصيب جزءاً معيناً من الدماغ، وقد تظهر الأعراض على هيئة تشنجات في جزء معين من الجسم أو تغيرات حسية أو بصرية.

3. زيادة كهرباء الدماغ غير الصرعية

قد تظهر زيادة النشاط الكهربائي دون نوبات صرعية واضحة، ويُكشف عنها غالباً عبر فحوص EEG، وتكون مرتبطة بمشاكل معرفية أو سلوكية.

التشخيص

يتطلب تشخيص هذه الحالة نهجاً طبياً دقيقاً يجمع بين الأعراض السريرية ووسائل التصوير والاختبارات الكهربائية. تشمل أدوات التشخيص ما يلي:

– رسم المخ الكهربائي EEG

يُعد الأداة الأساسية لتقييم النشاط الكهربائي، ويمكن من خلاله تحديد وجود شحنات غير طبيعية.

– الرنين المغناطيسي MRI

يستخدم لتحديد أي تشوهات عضوية أو أورام أو ضمور في الدماغ.

– التصوير المقطعي المحوسب CT

يفيد في الكشف عن إصابات أو نزيف داخل الجمجمة.

– تحاليل الدم

للتأكد من التوازن الأيوني واستبعاد الاضطرابات الأيضية أو الالتهابات.

طرق علاج زيادة كهرباء المخ

يعتمد العلاج على الأسباب ونوع الحالة، ويشمل خططاً دوائية وغير دوائية، بالإضافة إلى تدخلات جراحية في بعض الحالات.

أولاً: العلاج الدوائي

الأدوية المضادة للصرع هي حجر الأساس في التحكم بالنشاط الكهربائي الزائد، وتعمل على تهدئة التوصيل العصبي ومنع تكرار النوبات. من أشهر الأدوية المستخدمة:

يجب الانتباه إلى ضرورة الالتزام الكامل بالجرعة والفترة المحددة من قبل الطبيب، وتجنب التوقف المفاجئ الذي قد يؤدي إلى تفاقم الحالة.

ثانياً: الجراحة

تلجأ الفرق الطبية إلى التدخل الجراحي عندما تفشل الأدوية في السيطرة على النوبات، ويكون مصدر النشاط الكهربائي الزائد موضعياً وواضحاً. تشمل الخيارات الجراحية:

• استئصال البؤرة الصرعية.

• تحفيز العصب المبهم.

• الجراحة الوظيفية العميقة (تحفيز الدماغ العميق).

ثالثاً: العلاج السلوكي والدعم النفسي

تُعد البرامج التأهيلية والسلوكية ضرورية خاصة في الأطفال، إذ تساهم في تحسين الاندماج المجتمعي وتحسين الأداء الدراسي والمعرفي. كما يُنصح بإشراك الأهل في برامج دعم لزيادة الوعي بطبيعة الحالة وكيفية التعامل مع النوبات.

رابعاً: العلاج الغذائي

من الأنظمة المعروفة في حالات الصرع المقاوم للعلاج، الحمية الكيتونية (Ketogenic Diet) التي تعتمد على تقليل الكربوهيدرات وزيادة الدهون، مما يساعد في تقليل تكرار النوبات عند بعض المرضى، وخاصة الأطفال.

التدابير الوقائية

للحد من تكرار النوبات وتفاقم الحالة، يُنصح باتباع مجموعة من الإرشادات الوقائية، أبرزها:

• الالتزام بالأدوية في مواعيدها وعدم إيقافها دون استشارة الطبيب.

• تجنب السهر والإرهاق العقلي والجسدي.

• الابتعاد عن المؤثرات البصرية القوية مثل الأضواء المتقطعة.

• الامتناع عن شرب الكحول والمنشطات.

• إجراء المتابعة الدورية للرسم الكهربائي وتقييم الأدوية.

• ارتداء أدوات الوقاية عند ممارسة الأنشطة الخطرة مثل السباحة أو ركوب الدراجات.

المضاعفات المحتملة لزيادة كهرباء المخ

في حال عدم العلاج أو الإهمال، يمكن أن تؤدي الحالة إلى عدد من المضاعفات الخطيرة:

• تكرار نوبات الصرع وتأثيرها السلبي على النمو العقلي لدى الأطفال.

• إصابات جسدية أثناء النوبات مثل السقوط أو الاختناق.

• التأثير على الحياة اليومية والمهنية والاجتماعية.

• تطور نوبات صرعية مستمرة (Status Epilepticus) وهي حالة طارئة تهدد الحياة.

• الاكتئاب أو القلق أو العزلة الاجتماعية.

دور الأسرة والمجتمع

للأسرة دور أساسي في دعم المريض وتقبّل حالته وتوفير بيئة آمنة ومستقرة تساعده على التكيف مع المرض. كما يجب على المدارس وأماكن العمل تهيئة الظروف الملائمة وتجنب التمييز أو التهميش.

الخلاصة

زيادة كهرباء المخ حالة طبية معقدة ترتبط باضطراب في الاتصالات العصبية داخل الدماغ. ورغم أنها قد تكون مزمنة، إلا أن تشخيصها المبكر والتعامل معها بشكل علمي من خلال الأدوية المناسبة، والرعاية السلوكية، والدعم الاجتماعي، يمكن أن يمنح المريض حياة طبيعية ومنتجة. تبقى الوقاية والمتابعة المنتظمة المحور الأساسي في تحقيق تحسن ملموس والحفاظ على استقرار الحالة.

المراجع:

1. Fisher, R. S., et al. (2014). “Epileptic seizures and epilepsy: definitions proposed by the International League Against Epilepsy.” Epilepsia.

2. National Institute of Neurological Disorders and Stroke (NINDS) – www.ninds.nih.gov.